خلال الأسابيع الستة الماضية؛ نجح برنامج «ستار أكاديمي»، الذي يعرض على قناة «ال بي سي» اللبنانية في أن يحقق قدراً كبيراً من الجدل بين المشاهدين، ولعل هذا الأمر جزء من أهداف المنظمين للبرنامج، بصرف النظر عن نوعية هذا الجدل، وما إذا كان سلبياً أو إيجابياً.
مع انطلاقته؛ حرص القائمون على البرنامج على إضفاء صيغة الجدية، والحرص على مواكبة الأحداث التي يشهدها الوطن العربي، وحالة الحراك التي يموج بها الشارع العربي في عدد من دوله، فجاءت الاطلالة معبرة نبض الثورات الشعبية في استعراضات ارتدى فيها الراقصون ملابس عسكرية، بينما قالت مقدمة البرنامج هيلدا خليفة إن «العالم العربي يغلي بالثورات، والشباب يعبرون عن حريتهم ومطالبهم، وشباب (ستار أكاديمي) سيعبرون عن الحرية بالفن، إحدى وسائل التعبير المهمة». ولكن يبدو أن البرنامج الاستعراضي لم يأخذ من الثورات سوى الرقص بالملابس العسكرية بين الدبابات، بينما ظل مواصلاً مسيرته في اللعب على مشاعر المشاهدين من المراهقين عبر اختلاق علاقات غرامية بين طلاب الاكاديمية، وافتعال مشاحنات وشجارات من حلقة إلى أخرى، من دون أن تكترث مديرة الاكاديمية رولا سعد، لتوجيه الطلبة أو محاسبة المتجاوز منهم، حتى عندما حاول الطلبة أن يجروا انتخابات في ما بينهم لاختيار المسؤول عن تصريف أمور الحياة اليومية.
ومع أول القرارات التي حاول الطالب المنتخب اتخاذها لتنظيم سير الامور، وجدنا البعض يثور في وجهه، والبعض الآخر يعترض دون إبداء أسباب واضحة، ما شكل فرصة جيدة وتلقائية دون افتعال أن تتدخل مديرة الأكاديمية أو أحد مدرسيها لتوضيح أسس ممارسة الديمقراطية، وأهمية تقبل قرار الأغلبية والرأي الآخر، وهو بالتأكيد أمر يحتاج إلى التوضيح وتقريبه من تفكير الشباب داخل الأكاديمية وخارجها، خصوصاً في الوقت الراهن، ولو حصل ذلك ربما تعاطفنا مع ادعاء البرنامج مقاربته الواقع العربي وما يجري في الشارع، ولكن يبدو أن مثل هذا الأمر لا يهم كثيرا المديرة ومعلمي الأكاديمية، بل يبدو أن رغبة مسؤولي الأكاديمية في جذب أعلى قدر من المشاهدة جعلهم يتسامحون مع كثير من التصرفات المستفزة التي كان يقوم بها بعض الطلبة، رغم علمهم بها، من بينها أسلوب تعامل إحدى الطالبات مع زملائها، إذ انتشرت على موقع «يوتيوب» مشاهد لها وهي ترتمي بين احضان زميل لها، لأنها «ناقصها حنان» كما ذكرت له، ومقطع آخر للفتاة نفسها وهي مع زميل آخر، كما باتت مقاطع مصورة للطلبة والطالبات معاً في حوض السباحة، وأخرى للطالبات وهن يرتدين ملابس كاشفة و«قصيرة زيادة عن اللازم»، رغم علمهن بأن هناك كاميرات ترصد حركاتهن لتبثها على ملايين الشاشات، إضافة إلى كثير من الشجارات والمشاحنات التي تجري في الاكاديمية ويتابعها الجمهور، وتتضمن إساءة إلى الآخرين، دون أن تفكر مديرة الاكاديمية في التدخل لتوجيه المخطئ فيها، ربما لاعتقاد الإدارة أن مثل هذه الأمور هي جزء من «الإبهار والمفاجآت» التي يعد بها البرنامج مشاهديه.
الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لبرنامج «ستار أكاديمي»، وغيره من البرامج التي تهدف إلى اكتشاف وتبني المواهب الفنية الجديدة، هو أهمية أن تكون هناك وقفة لمعرفة مدى مساهمته الفعلية في رفد الساحة الغنائية بمواهب حقيقية تستطيع أن تقدم فناً متميزاً يوازي حجم التركيز الإعلامي والنفقات الكبيرة التي تنفق سنوياً على البرنامج، وعندما ننظر إلى الواقع نجد أن الاسماء التي اخرجتها الاكاديمية لا تتجاوز أربعة أصوات، استطاعت ان تظهر وتستمر على الساحة الغنائية، وهو عدد لا يشكل نسبة مرضية يمكن ان تشفع للبرنامج، أو تدعونا إلى تقبل «التجاوزات» التي نشاهدها، بل قد نجد صعوبة في اعتبارها مبرراً لاستمرار البرنامج مواسم تالية، ولكن للأسف يبدو أن كثيراً من الأشياء في عالمنا العربي تتمسك بالاستمرار وعدم التقاعد، حتى بعد أن تفقد مبررات وجودها وقدرتها على تقديم أي إضافة حقيقية.